لفت إنتباهي تنامي عدد الشباب السودانيين الذين يقومون بالتحوّل عن الدين الاسلامي في الفترة الأخيرة إلى ديانات أخرى، وقد لاحظت تواجدهم المتزايد في الحياة العادية ومن خلال النقاشات التي تتم وجه لوجه، وتلك التي تتم عبر الأسافير وقروبات الفيس بوك، وهناك قروبات هدفها الأساسي مناقشة هذا الموضوع.
تصادف قبل أيام وفي أحد الإجتماعات الطبية لدراسة الحالات التي تحتاج إلى "كونصلتو" أن أحضر أحد الأطباء النفسيين حالة مريض للدراسة والتفاكر في سبل التداوي والعلاج ، ومن بين المعلومات التي كشف عنها المريض، انه كان قد تحوّل عن الاسلام بعد هروبه من موطنه الأصلي الذي يدين بالدين الاسلامي، وتساءل فريق الأطباء عن أسباب تحول هذة الفئة من المرضي عن دياناتهم وأساليب حياتهم التي تعودوا العيش عليها ومن ثم تكوّنت علي أساسها ثوابتهم الإنطباعية " copying strategies"، ومن ضمنها الدين الذي يعتبر هو الآخر اسلوب حياة بما فيه تحديد لسلوك الشخص ومعيار قياس الخطأ والصواب ومرجعية التصرفات ..الخ.
ذكر الطبيب الذي أحضر الحالة انه بحسب مناقشته للمريض يرى ان سبب إحباطه وضيق صدره من الدين هو شعوره بالخذلان (الالهي) وعدم وقوف "الرب" بجانبه في محنته، وبالتالي يري – والحديث للمريض - انه "إله" لا يستحق العبادة إذا كان بتلك (القسوة)، كما ان هذا الشخص كره الحروب التي تحدث بإسم الأديان وفي حقيقتها استغلال وكذب.
في العادة عند معاينة الطبيب النفسي للمريض، يحاول دراسة كل مايحيط به من ظروف ومتغيرات في حياته والتي تُحدِث نقاط فارقة في طريقة تعاطيه وتحمله لتحديات الحياة وتفاعله مع الخيبات والفشل واستعادة قواه لمواصلة مسيرة حياته من جديد، هذا التحول كغيره من القرارات الكبيرة والمهمة في حياة الانسان لإرتباطه بالمريض شأنه شأن الطلاق وموت الشريك وتغيير الجندر والهجرة ..الخ، فهو كخيار لايدل علي مرض نفسي، ولكنه حين يأتي مع مجموعة أعراض أخري قد يصبح الامر مختلف .
أحد الاطباء المسلمين كان يجلس بجانبي، تحدثت معه عقب الاجتماع فقال لي ان الإبتلاء جزء من إيمان الشخص بالمولي عز وجل وامتحانه لقوة ايمانه وصبره وفي أحيان كتيرة تقوّي هذه العوامل العلاقة بين العبد وربّه، إذا تفكّر وتدبّر في قيمة النعمة التي كان يملكها ، فقط عند تدني حالتنا النفسية يصبح الحكم علي هذه المسائل مختلف بسبب الاحساس العميق بالظلم والتعب والرهق.
لا بد من بحث الأسباب، هل هو اليأس والإحباط والضيق وعدم الامان !! هل هو التخبط وبحث شبابنا عن إبرة في كومة قشة تورثهم احساس المنبت الذي لا ارضاً قطع ولا ظهراً ابقي !! هل هو المستقبل الذي لاتلوح له بشاير ولا يُومض له برق !! هل هو إحساس العجز أمام حكومات تسقيهم سماً زعافاً كل يوم وهي تتمتم بآيات من كتاب الله !! هل هو الشعور بأن الذين يحكمون يمارسون عليهم الدجل ويستخدمون في ذلك الدين وقصص السلف الصالح !! هل هو الإرهاب العالمي الذي إرتبط بالدين الاسلامي ايا كانت مصادر هذا الارهاب وايدولوجياته ومشرّعيه ومن يتبنونه واهلكوا بسببه الحرث والضرع !!
هل هو تحول مُحيّد وواضح ومبني علي دراسة وقراءة وتفكير!! لاني أعرف بعضهم يتبني العلم السماعي، وكلمة كلمتين يقرأهم في مواقع التواصل الإجتماعي، ويتبع من يقولهم من غير فهم عميق ولا معلومة صلبة تستطيع الصمود في وجة من يتحدي نصوع الفكرة لديك، فبعض الناس تركيبتهم النفسية هشة ، سهل اقتيادهم خلف من يقول حديثاً يبدو ظاهره متماسكاً وفحواه ركيك ومتهالك لاساق له في الوقوف.
لماذا يُصر الذين يبدلون دينهم علي إجتذاب اكبر عدد من الناس لدائرتهم !! هل الإلحاد أيضاً يقوم على الدعوة كدعوة المسلمين لدينهم!! لماذا تبني قوة ايمانهم بما لديهم بتكسير معتقدات الآخرين والسخرية منها وإطلاق اسماء عليهم وتسميتهم بالمسلمين "الكيوت" وغيرها من الأسماء التي يغلب عليها طابع التهكم والسخرية وسب رموزهم الدينية كالرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وآل بيته الكرام واصحابه !!
الفقة علم من العلوم التي تستلزم التخصص والإتقان، والبحث الجاد والمتواصل ليصبح الفقيه مصدر لمعلومة موثوقة واضحة يحتكم اليها الناس حاله كحال غيره من العلوم الاخري كالطب والهندسة والقانون، بمعني انك لاتستطيع الحديث فيه حديث العالم ببواطن الامور ولن تغنيك كتب ابن تيمية وإبن كتير حتي تأنس في نفسك كفاءة تتيح لك البت في هذا او ذاك من أمور الدين كما يفعل كثير من الذين يدّعون العلم بأمور الدين اليوم.
لقد عشنا وعاش آباؤنا وأجدادنا في هذا الوطن في تصالح كامل مع الدين والفروض والعبادات، وحتى الذين يرتكبون المعاصي كانوا يفعلون ذلك في حدود ثم لا يلبثوا أن يستغفروا الله ويعودوا إليه طائعين، لم يقف الدين يوماً عقبة في طريق أحد في معاشه أو في وظيفته أو يجبر على حمل السلاح بإسمه حتى يُفكّر في هجره، كان الدجّال منبوذاً والذي يأخذ علمه من الكتب الصفراء شيطاناً.
لا نستطيع أن ندفن رؤوسنا في الرمال، هذا ما يحدث لبعض شبابنا، والعدد يتزايد، ولا بد من مواجهة الأسباب التي تدفع بالشباب لهذا الطريق، ويا لها من مواجهة !!
تماضر الحسن
طبيبة - بريطانيا
tamadoryousif@yahoo.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق